يُدخن مختبئًا في حمامات المدرسة.. لماذا يخشى المراهقون من التعبير عن أنفسهم؟

بدأ معظم المدخنين هذه العادة قبل سن الـ 18، وكان الكثير منهم مدمنًا عليها بالفعل قبل أن ينتهي من المرحلة الثانوية، وفي حين يمكن أن يكون تقليد أحد الوالدين من أهم أسباب التقاط السيجارة الأولى، إلا أن الرغبة في التمرد والشعور بالاستقلالية بالإضافة إلى الرغبة في تجربة شيء جديد تعد من أهم أسباب إقبال المراهقين على السيجارة الأولى والتدخين في المدرسة.

يُدخن مختبئًا في حمامات المدرسة.. لماذا يخشى المراهقون من التعبير عن أنفسهم؟

إلا أن هناك سبب آخر تزداد أهميته يومًا عن يوم في تفسير سلوك المراهقين عمومًا والمدخنين خصوصًا ألا وهو خوفهم من التعبير ببساطة عن أنفسهم، فيلجأون إلى التدخين في المدرسة كوسيلة لتنفيس المشاعر المكبوتة مع سلوكيات أخرى تضعهم دائمًا في موضع انتقاد.

العلاقة بين التعبير عن المشاعر والصحة النفسية

هناك فارق كبير بين الشعور بشيء ما والقدرة على التعبير الصحيح عنه، فقد يشعر الجميع بالغضب، لكن أن يقول الشخص صراحة "أنا غاضب" ليس من الأمور التي يفعلها الجميع ولا سيما المراهقون .

فيتردد الكثير من المراهقين في مشاركة مشاعرهم مع الآخرين، والسلبية منها على وجه الخصوص، فلا يقول أبدًا أنا أشعر بالسوء أو الإحباط، ولكن قد يُفضِّل الانعزال أو البكاء أو النوم الكثير أو الإفراط في الأكل أو ارتداء أزياء غريبة وغيرها من سلوكيات.

وقد أظهرت الكثير من البحوث وجود علاقة وثيقة بين التعبير عن المشاعر والوقاية من الاكتئاب، فبعد درسة 233 مراهقًا بمتوسط عمر 16 عامًا وبعد إجراء مقابلات شخصية معهم، وجدت الدراسة أن المراهق الذي يعبر عن مشاعره 4 مرات أسبوعيًا أقل عُرضة للاكتئاب، وأن المراهقين الذين يُجيدون التمييز بين المشاعر السلبية مثل الغضب والحزن والإحباط هم أكثر قدرة على التعامل مع عواطفهم دون توتر.

وهذا لا يعني حاجة المُراهق إلى إجراء حديث طويل للتعبير عن المشاعر، فيكفي وصف بسيط لها يتمكّن من قوله دون الخوف من التعرض للانتقاد.

التدخين في المدرسة كنتيجة.. أسباب خوف المراهقين من التعبير عن أنفسهم

إن خوف المراهقين من التعبير عن أنفسهم سمة عامة لهذه المرحلة، فالمراهقة هي المرحلة الأكثر تعرضًا للتغيرات على المستوى الجسدي والنفسي وحتى مسؤوليات الحياة، فيتطور الدماغ بوتيرة أسرع كثيرًا من فترة الطفولة، ما يجعل الجهاز الحوفي إما في وضع قتال مستمر لمواكبة التغيرات أو جمود تام أو هرب من المواجهة، وعندما يكون الدماغ في هذه الحالة من الارتباك فإن القدرة على تأدية الوظائف التنفيذية تتراجع بشدة، وهنا يبدو دائمًا أن المُراهق ليس لديه عقل أو قدرة على الحكم المنطقي على الأشياء وهذا بسبب الصراع الذي يدور في الدماغ.

كما علينا كآباء أن ندرك أن تلك التغيرات الجسدية المتتالية تؤثر بشدة على المشاعر وتجعل المُراهق أكثر عُرضة للقلق والاكتئاب والشعور العام بالضيق ولا سيما مع الضغوط الاجتماعية المحيطة به، سواء كانت نتائج الدراسة أو التفوق في الأنشطة الرياضية أو المساهمة بنشاط في الواجبات الأسرية أو الاهتمام بالعبادات والجوانب الروحية وغيرها من التزامات ربما لم يكن الأهل يُلزمونه بها في المراحل الأصغر عمرًا، ومن أهم الأسباب التي تمنع المُراهق من التعبير الصحيح عن مشاعره واستبدال الأمر بسلوكيات خاطئة:

الخوف من الانتقاد

يرتكب الكثير من الآباء أخطاء في الانتقاد الدائم للأبناء عمومًا وللمراهقين خصوصًا، فإذا استمع الابن إلى أغنية جديدة مناسبة لجيله أو شاهد فيلمًا يجد سيلًا من الانتقادات عن الذوق المتدني، وإذا شعر بالغضب يجد من يؤنبه، لذا وبالتدريج يمتنعون عن إبداء أي رأي.

لذا على الأبوين تجنب أي انتقادات للمراهق قدر الإمكان حتى إذا قال أشياء غريبة، فقد يكون السبب الأساسي هو مجرد جذب الانتباه ومراقبة ردود فعل الأبوين حتى يبوح عن مشاعره الحقيقية إذا شعر بالأمان تجاه ردود فعل الوالدين وأنه لن يكون عُرضة للسخرية أو العقاب.

الصراع على السُلطة

إذ يشعر المراهق أنه أصبح كائنًا مستقلًا، في حين يقتنع الأبوان أنهما مسؤولان عنه ويجب عليهما توجيهه دائمًا، وينعكس هذا الصراع على أي محادثة بين الطرفين فيحاول كل طرف إثبات أن وجهة نظره هي الصحيحة وأن الآخر لا يعي من الأمر شيئًا وهذا يزيد الأمور سوءًا.

لذا في محادثتك المقبلة مع ابنك ليس عليك الفوز وليس عليه أيضًا الشعور بالهزيمة، فالسماح للمراهق بامتلاك وجهة نظر خاصة شيء أساسي لشعوره بالأمان والتعبير الصحيح عن مشاعره.

وهذا لا يعني ضرورة موافقتك الصريحة على أفعاله أيضًا، فيمكن للأب الاعتراف للابن أن رأيه مخالف لما يراه ولكنه سيحترم وجهة نظره وهذا في حد ذاته يفتح مجالات أخرى للحوار يتعلم فيها كل طرف من الآخر أكثر بكثير مما سيتعلمانه من خلال الصراع.

فرض اهتمامات معينة

يمكن أن يكون فرض اهتمامات معينة على المُراهق من أكثر الأشياء التي تُعيق تعبيره عن مشاعره وقد تؤدي للانخراط في سلوكيات سيئة، فسواء فرض دراسة شيء معين أو ممارسة رياضة معينة أو حتى القراءة وغيرها لا يجب أبدًا أن يكون باستخدام القوة والتهديد.

فحتى في العبادات يجب أن يكون الأمر بهدوء وباقتراح مكافآت وليس بالعقاب، وكذلك الحال في الأنشطة والرياضات والهوايات، عليك البدء بما يحبه ابنك المراهق أولًا ومشاركته معه ثم الانتقال بالتدريج لما ترغب فيه.

بعيداً عن التدخين في المدرسة: طرق تشجيع المراهق على التعبير عن نفسه بطريقة صحية

لا يعد التدخين النتيجة الوحيدة لفشل المراهقين في التعبير عن أنفسهم وقول رأيهم، ولكن يمتد الأمر إلى مخاطر أخرى مثل الفشل الدراسي، والسلوكيات غير المقبولة، وأذية النفس والغير.

وفي حين يعاني الآباء من استفزاز أبنائهم المراهقين الدائم، فإن الأبناء من ناحية أخرى يشعرون بأنهم في جزيرة منعزلة، ولكن إذا أدرك الطرفان الطبيعة الحقيقية لهذه الفترة ربما يقرب هذا من وجهات النظر.

وكون ابنك أو ابنتك في مرحلة المراهقة فإن هذا لا يعني أنه أصبح شخصًا ناضجًا، كما أنه بالتأكيد لم يعد طفلًا تتحكم به، لذا عليك بعد التعرف الدقيق على طبيعة تلك المرحلة أن تجرب طرق التشجيع على التعبير عن المشاعر والتي يحتاج إليها الجميع وليس فقط المراهقون:

الاستماع الفعّال

وهذا يعني ألا تقوم بأي شيء آخر عندما يتحدث إليك ابنك أو ابنتك عن أي شيء مع الحرص على النظر في عينيه وتوجيه اهتمامك كاملًا له مهما كان ما تقوم به مهمًا، أو على الأقل الاعتذار منه لفترة قصيرة للغاية ثم توجيه كل انتباهك له.

فالأم التي تقف في المطبخ وتسأل ابنتها عن يومها ليست أفضل للأسف ممن لا تسأل، إذ إنها لا تستمع، كما أن الأب المشغول بهاتفه ويستمع بنصف أذن لما يحكيه ابنه هو في الحقيقة غير موجود.

والاستماع لا يعني ضرورة أن توافق أو تعترض على ما يقوله ابنك، ففي الكثير من الأحيان يكون الاهتمام فقط هو الأهم وهو الذي يبني الثقة والتي من خلالها ستتمكن من إقناعه بفعل ما ترغب فيه أو الإقلاع عن أي عادات سيئة مثل التدخين في المدرسة.

الاعتراف أن مشاعره طبيعية

رغم أن الجميع مرّ بفترة المراهقة وعانى الكثير منها إلا أن الأغلب الأعم يُكرر الأخطاء نفسها التي ارتُكبت في حقه مبررًا هذا بأنه كان صغيرًا ولا يعي شيئًا.

وفي حين من الضروري الاعتراف أن الحكم المنطقي لدى المراهق لا يكون في أفضل حالاته خلال فترة المراهقة، إلا أنه من الضروري الاعتراف أيضًا بأن مشاعره طبيعية وأنه شخص طبيعي وما يمرّ به مؤقت وليس مبررًا للانتقاد أو الخوف أو الانزعاج.

فلا يحتاج الأمر في الكثير من الأحيان إلا إلى تقبل طبيعة المرحلة العمرية فقط والتغيرات التي يمر بها الجسم لتمر بسلام قدر المستطاع.

تمضية أوقات عائلية ممتعة

في الكثير من الرحلات العائلية تجد المراهقين يختفون ويعتذرون ويتحججون بأعذار واهية حتى يتجنبوا الأوقات العائلية والتي تتحوّل في الغالب إلى دروس وحكم ومواعظ ومقارنات بين الجيل القديم والجيل الجديد.

لذا توقف فورًا عن تنفير ابنك من الأوقات العائلية لتكون مبهجة ومناسبة لاهتماماته حتى إذا لم تكن متوافقة تمامًا معك، فإذا كنت ترغب في أن يستمع إليك فيجب أن تستمتع أنت أيضًا إليه مع التأكيد على تجنب الانتقاد قدر المستطاع والامتناع عنه تمامًا أمام أشخاص آخرين.

لا يُدرك الكثيرون أهمية التعبير الصحيح عن المشاعر في تحقيق النجاح وزيادة القدرة على الإنجاز والالتزام بالسلوكيات الصحيحة، فكبت الغضب والحزن والمشاعر السلبية لن يلبث أن يخرج بطرق متنوعة وأغلبها سيكون مؤذيًا للشخص نفسه وللمحيطين به.

Admin
Admin